مشاهد الفتية الذين خرجوا بكامل عتادهم العسكري في منطقة عكار، شمالي لبنان، ما يجب ان تمر مرور الكرام. التوقيت مرعب، والرسالة التي يحملونها ربما تكون الاخطر على ما تبقى من هيبة الامن ممثلة بالمؤسسة العسكرية، آخر مؤسسات الثقة في لبنان.

هؤلاء الفتية. هل هم لبنانيون؟ إن كانوا كذلك فان القناع الذي اخفى ملامح ربيع العمر حجب عن اذهانهم انهم خرجوا من بيوت شقًّقَ جُدرانها خرير العوز والجوع، ليتباهوا باسلحة تقدر بعشرات الالاف من الدولارات!

اما ان كانوا غير لبنانيين، فتلك مصيبة تضاف الى مخزون مصائب الوطن الذي وصفه وديع الصافي يوما ب "قطعة سما".

في البعد الداخلي، المواطن الرافض لتقسيم البلد الى كانتونات، تناسى مدخراته التي سلبها تحالف مافيا المصارف والمنظومة.

لم يعد تعليم ابنائه في مدارس خاصة غاية. كما اصبح قدريا لجهة المرض وعدم تلقي العلاج المناسب.

تجاوز كل ذلك وبات يرفع شعار "امن اسرتي اولا". وهذا بالتاكيد سيعزز مواقف رافعي شعارات "لا منشبهكم ولا بتشبهونا" للمضي في مشاريع التقسيم ايا كانت مسمياتها فيدرالية او كونفيدرالية او غيرها.

ماذا يمكن ان تقول لمواطن يواجه غضب السلطات اذا اقدم على توسعة غرفة معيشته وقد حشر نفسه مع افراد اسرته لمتابعة مشاهد الفتّوة في عكار!

تدرك اركان السلطة في لبنان ان المطلوب اضعاف هيبة الجيش اللبناني والقوى الامنية. اجندات تستدرج عروض الانهيار الامني للوصول الى غاياتها، لكن وجود قامة وطنية كالعماد جوزف عون على راس المؤسسة العسكرية كفيل باحباط تلك المشاريع، ويبقى على اركان السلطة، سلطة الامر الواقع، بكل تشعباتها الحزبية والمذهبية ان تتسامى فوق خلافاتها. ان تخرج من عباءة "الطوائف باعلام". وتقف صفا واحدا خلف الجيش آخر مؤسسات الثقة فيما تبقى من وطن.

في البعد الاقليمي.وهنا مربط الخطورة، يواجه لبنان اولا خطر تنظيم داعش وخزانه البشري في مخيمات شمال شرق سوريا، تلك قضية تحتاج الى كثير من المتابعة الدقيقة.

الامر الثاني، وهو ما كان ينقص لبنان، ان حركة حماس وبعدما جرف تسونامي "طوفان الاقصى" نفوذها العسكري في غزة، ويهدد بالتبعية بقاء قادتها في قطر، ثمة مخاوف جدية من ان يكون لبنان "الكيان البديل". والعمليات التي تنفذها كتائب القسام ضد اسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني ترجح هذا السيناريو. ورغم ان البعض يعتبر ان حزب الله يرفض اشراك ايا كان في ميدانه الجنوبي، الا ان وحدة المرجعيات، نسبة الى وحدة الساحات، قد يفرض ما هو غير متوقع.

وكما يبحث قادة حماس عن مأوى لائق لهم، لن يجد جناحها العسكري مقرا افضل من بيئة الفقر والعصبية في لبنان، تحديدا في شماله المحروم، او مخيمات البؤس الموزعه في انحائه.

تلك مخاوف راسخة، لكنها فرصة حقيقية للقفز من الجزر المجتمعية المتحركة، الى ارضية الوطن الصلبة.

امواج المتغيرات تتلاطم.