إيلاف من الرياض: كُرم، خلال فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي (GFF)، المقام في العاصمة السعودية الرياض، المخرج القطري البارز أحمد الباكر، الرئيس التنفيذي لاستوديوهات كتارا القطرية، على إنجازاته الفنية، ضمن القائمة المختصرة لمواهب منطقة الخليج ممن لديهم إسهامات في تطوير السينما بالمنطقة.

أحمد الباكر اسم لمع بشدة في الخليج العربي، خاصة مع ارتباط اسمه بحفل افتتاح كأس العالم في قطر العام الماضي 2023، والذي التقت به "إيلاف" خلال فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي.

من تكرير البترول لـ صناعة السينما
لم تكن السينما هي المجال المهني الأول له، ككثير من صناع السينما الخليجيين، حيث كشف المخرج أحمد الباكر، أنه درس تكرير البترول، قبل التوجه للسينما، قائلًا إن بداياته في السينما كانت عام 2010 حيث كان يطمح في العمل كمنتج ومخرج سينمائي من قبل ذلك. ولكنه كان متخوفًا من عدم إيجاد عمل إذا ما درس صناعة السينما لذا توجه لدراسة تكرير البترول.

أضاف أن إقامة مهرجان الدوحة للأفلام عام 2009، حفز في داخله الأمل بمستقبل مشرق للسينما، فقرر أن يبحث عن من يشاطرونه الاهتمام بصناعة الأفلام، ويصبح من أوائل صناع السينما في الدوحة، ويشاركهم بناء البنية التحتية لها في دولتهم. وفي 2010 بدأ يجد من يبحث عنهم، من الطموحين بأن يصبحوا صناعًا للسينما. وشكل معهم فريقًا وشركة صغيرة أطلقوا عليها اسم "فيلم التجديد". وبما أنها لم تخلق نجاحًا كبيرًا، اكتفوا باعتبارها مظلة يجتمعون تحتها بتراخيص رسمية، لتصوير الأفلام. وأكد أن جميع من شاركوا فيها كان لديهم مهن أخرى يومية، ولم يكونوا متفرغين للسينما، لكن محبين لها.

الأفلام القصيرة.. بداية المشوار
وعن بدايته الحقيقية في مجال صناعة السينما، قال إنه كان عن طريق الأفلام القصيرة، خلال الأعوام من 2010 إلى 2014، حيث كان طموحهم المشاركة في المهرجانات خاصة مهرجان دبي السينمائي الدولي، الذي كان بالنسبة لهم "مهرجان القمة" لكل صناع السينما الخليجيين.

وشهد مهرجان دبي السينمائي الدولي بداية جميع مخرجي الخليج الذين التقوا بهم خلال فعالياته، في تلك الفترة. وقد شاركوا بالفعل فيه بشكل متكرر، من الكويت نزار القندي ومن الإمارات نواف الجناحي والعديد من الأسماء الخليجية المهمة.

طفولة مرتبطة بالسينما
وعن ارتباطه بالسينما ونشأته، قال إنها شغفه منذ نعومة أظافره، حيث شهدت فترة السبعينات انتشارًا واسعًا لصالات السينما في قطر، متذكرًا "سينما الخليج" إحدى أهم دور العرض السينمائية فيها وقتئذ. وقال إنه بدأ بمتابعة الأفلام الهندية فيها، ثم هندي وعربي، وصولًا للأفلام الأجنبية.

وعن شكل سينما الخليج، قال إنها كانت سينما خارجية، ليست مربوطة بمجمعات تجارية وخلافه، وكانت مستقلة، وتابعة إلى الشركة القطرية للسينما، ومقر مجلس إدارتها كان على بعد 5 دقائق من منزل أسرته.

الفن.. مساحة للاختلاق
وعن شغفه بالسينما، قال أحمد الباكر، إنه شغوف بالفنون بشكل عام، قائلًا: "شغفي مش بس للسينما، هو للاختلاق، وإعادة البناء بشكل عام. فأنا من صغري وإلى اليوم أحب الرسم، حيث أرى الفن في كل شيء حولي، أرى القصص في كل ما يحيط بي".
وربط خوضه تجربة إخراج افتتاح كأس العالم في قطر عام 2023، بذلك الشغف بالفن. فوصفه بأنه كان محفزًا له في أن يقدم قصة مختلفة باستخدام شغفه السينمائي، بطرق متنوعة ومبتكرة مع جمهور مختلف عنه.

التأثر بالسينما الغربية سلاح ذو حدين
في السياق ذاته، وتعليقًا على المستوى العالمي الذي ظهر به حفل افتتاح كأس العالم، رجح المخرج أحمد الباكر أن ذلك بسبب تأثره بالغرب في الإخراج مثله كالكثيرين من المخرجين العرب، مشيرًا إلى أن أعماله المتواجدة على منصة (starts play) أيضًا تُظهر مدى تأثره بالأسلوب الغربي، وأنه لاحظ ذلك التأثر في أعماله على مدار سنوات عمله الأولى، وذلك "سلاح ذو حدين" على حد تعبيره. فهو حاليًا يرى بعدما وصل لمرحلة النضوج التام في الصناعة التي يمتهنها لما يقارب الـ 15 عامًا، أن ذلك كان من نقاط ضعفه. فمن الممكن أن يكون قد أخرج صورة بمستوى دولي، ولكن ذلك الأسلوب يؤثر على سرد القصص، فتظهر وكأنها قصة أجنبية بلسان عربي.

أضاف "الباكر" أنه منذ ثلاث سنوات صار يؤمن بضرورة إيصال قصصه بصورة تمثل مجتمعه القطري والعربي، والتواصل مع جمهوره العربي بشكل مباشر، مؤكدًا على ضرورة سرد القصص بأسلوبنا العربي الخاص. وأضاف في تلك النقطة، أنه تولدت لديه قناعة بأن المخرجين لابد من أن يتأثروا بمحيطهم، ويكونوا مؤثرين فيه، وأن يرسموا الطريق للأجيال اللاحقة ممن سيشاهدون أفلامهم فيما بعد في دول الخليج المجاورة مثل الكويت والإمارات وغيرها، واعتبارها نماذج فنية لهم، بدلًا من الأفلام الأجنبية، معلقًا: "من الممكن أن نتطلع للأجانب كملهمين في السينما، لكن التأثير يجب أن ينبع من داخلنا نحن".

النسيج الخليجي في السينما مطلوب
وحول تميز بعض الأعمال القطرية الدرامية بيّن أحمد باكر أن للمؤلفة والكاتبة وداد الكواري ساهمت في دفع النسيج الخليجي في أعمالها، حيث إنه حريص على تقديم قضايا خليجية يتحدث عنها المجتمع الخليجي كله، وليس القطري فقط، حتى وإن كانت القصة المقدمة قطرية بحتة، لكنها تناسب الجمهور الخليجي، مما يتيح لها الفرصة في المنافسة تجاريًا.

وأضاف أن الخليج العربي قضيته واحدة، وصوته واحد، وهدفه واحد، لذا يجب أن يكون صوته مسموع وبكثافة. ولفت إلى أن أحد الإشكاليات الموجودة في العالم العربي كله، هي قلة تقديم قضاياه، وطرحها عالميًا. لذا فأبناء الثقافات الأخرى غير قادرين على فهم من نحن وما هي ثقافتنا، معلقًا: "صوتنا مش موجود".

وأردف الباكر: "الصوت العربي بدأ يعلو ويظهر بكثافة ونحن في حاجة لأعمال تحمل في طياتها الصدق والانعكاس الحقيقي على المجتمع، لأنه كلما أصبحت صانع سينما صادق أحبك جمهورك، وإذا أحبك جمهورك تقبلك الجمهور العالمي، وأحبك، لأنه يريد معرفة ما يدور في منطقتك والتعرف عليك بصدق".

عن مهرجان الدوحة
في سياق آخر، تحدث المخرج القطري أحمد الباكر، عن مهرجان الدوحة السينمائي، قائلًا إنه في بداياته لم يستوعب مخرجاته وأهميته. وعلى عكس الآن، فقد أصبح أهم مما كان عليه سابقًا، لافتًا إلى أن من أهم مخرجاته هو دفعه لكوادر قطرية هامة في المجال السينمائي، وأن قطر باتت منفردة بمهرجان هام مثله. كما أكد أنه يراه مكملًا للحراك السينمائي في الخليج، وأنه بعد عدة سنوات من إقامته، أصبح مهرجانًا مميزًا في المنطقة، وله أسلوبه الخاص. كما ساهم في التوعية السينمائية للأجيال الأصغر عمرًا.

شباك التذاكر السعودي متقدم ومبشر
وتحدث أحمد الباكر عن الجمهور القطري، ووصفه بأنه "محب ومتعطش للأعمال السينمائية والمسلسلات"، لافتًا إلى أنه جمهور متابع للأعمال العربية والعالمية بشكل عام.
وعن السينما الخليجية، قال إنه لا يزال بها قصور ملحوظ، خاصة في السنوات الأخيرة. فلم تسجل الأفلام الخليجية إنجازًا حقيقيًا في شباك التذاكر، عدا بعض المحاولات السعودية، واصفًا شباك التذاكر السعودي بأنه متقدم ومبشر وخلق بارقة أمل للسينما الخليجية.

وخص المخرج بالذكر فيلمي "سطار"، السعودي للمخرج الكويتي عبدالله العراك، و"مندوب الليل" للمخرج السعودي علي الكلثمي، مؤكدًا أنه كان عليهما إقبالًا جماهيريًا كبيرًا في دور العرض السينمائية، لافتًا إلى أن "مندوب الليل"، من أطول الأفلام تواجدًا في السينمات القطرية، حيث استمر عرضه فترة طويلة، وكان الإقبال عليه كبيرًا حتى في رمضان، معلقًا: "شاهدته في اليوم العاشر من رمضان، عجبني.. فيلم جميل".

واستكمل حديثه عن "مندوب الليل" قائلًا: "قصة محللة جميلة وأداء عظيم، فهو عمل محفز بالفعل، من الجميل مشاهدة فيلم ليس غريبًا علي كمواطن خليجي". وأشار إلى أن بعض التجارب الكويتية أيضًا كانت ناجحة، ولكن ليس مثل "سطار" و"مندوب الليل".

واستطرد قائلًا: "كلاهما يشد انتباهك لمشاهدته، ونحن نعلم جيدًا أن شباك التذاكر السعودي متقدم، ومستقبلًا، سيكون اعتمادنا خليجيًا عليه لنا جميعًا".

السينما الخليجية تحتاج لمظلة واحدة
واستكمالًا للحديث عن السينما القطرية، قال إنه من الصعب الجزم بأن هناك صناعة سينمائية قطرية، خاصة بالنسبة له، كمخرج دخلها منتقلًا من مجال تكرير البترول، معلقًا: "لدينا ماكينتنا الخاصة".

وأكد أن قطر جزء من الحراك السينمائي الخليجي، حيث تساهم بالجانب الاستثماري والموارد الفنية والتقنية، لافتًا إلى أنهم كصناع يعتبرون أنفسهم جزء من منظومة كبيرة -السينما الخليجية- بدلًا من الانفراد بسينما قطرية أو كويتية أو سعودية فقط. وشرح وجهة نظره قائلًا إن الخليج العربي في حاجة لأن يكون لديه سينما واحدة في هذه المرحلة، ومن الممكن أن يختلف الوضع مستقبلًا، وتكون كل دولة لديها صناعتها الخاصة.

ولفت إلى أن الخليج العربي صاحب قصة واحدة، فلديه نفس العادات والتقاليد، بالإضافة للقضايا المشتركة. لذا فإن الإنتاجات المشتركة مطلوبة، لكي تُخَدم على الحراك السينمائي الكبير الذي تشهده المنطقة العربية، وتستفيد من الموارد المهيمنة على السوق.

شباك التذاكر المصري تراجع في قطر
وانتقالًا من السينما الخليجية إلى المصرية، قال إنه بشكل عام هناك تراجع في مشاهدات الفيلم العربي في الوقت الراهن، مقارنة بما كانت عليه في فترة التسعينات وبداية الألفينات، مضيفًا: "الفيلم المصري كان دائمًا متصدر، لكن حاليًا لا يوجد فيلم مصري "مسمع" إلا نادرًا".

وعن فيلم "رحلة 404" للفنانة منى زكي، والذي حاز على إشادات نقدية واسعة قال، إنه لم يكن سيئًا، ولكنه لم يؤثر في شباك التذاكر بقطر، مثلما فعل خارجها، لافتًا إلى أن الخلاص السياسي بين الدولتين أثر على مشاهدات الفيلم المصري بشكل عام في قطر.

كأس العالم 2023
وبالحديث عن حفل افتتاح كأس العالم 2023، في قطر، قال المخرج أحمد الباكر، إن الاختيار وقع عليه وفريقه من قِبل اللجنة العليا والمسؤولين عن تنظيم الحدث الضخم. وعندما تواصلوا معه، أكد لهم بأن لديه الشغف بالتصوير المباشر وخوض تجربة المشرح، ولكن ليس لديه خبرة فيه، خاصة أن خبرتهم سينمائية أكثر، مما يشكل مخاطرة نوعًا ما. والسبب الآخر لتخوفه كان أنه والفريق قطريين، فكان لا يريد المغامرة لأنه في حالة الفشل سيشار إليهم بأنهم قطريين، ولم يكونوا على قدر المسؤولية، خاصة أن الثقة فيهم كانت كبيرة، وأتيحت لهم كل الإمكانيات اللازمة.